أحوال مصر قبل ثورة 23 يوليو 1952
يقولون فى مجال الإعلام أن الصورة بألف كلمة وذلك لما تحتويه من معلومات تلخصها وتقدمها لنا فى إطار شبه مُصدق لما حدث, وهى ذاتها الصورة التى تأثرك وتجعلك تحن لما مضى {نوستالجيا} أو تُنفرك وتجعلك ترغب فى نسيانه جملة وتفصيلاً, فإذا كان ذلك بخصوص الصورة فماذا عن مقاطع الفيديو؟؟, خاصة إذا ما وضعناها فى مقابل أوراق كتب المؤرخين أو الصور الرديئة, بالطبع ستكون الغلبة لمقاطع الفيديو, ولكن السؤال المحورى والأهم هو : هل كل مقطع فيديو غير مُفبرك تراه بعينيك لابد أن يُعبر عن كل الحقيقة؟ الإجابة سأتركها لك.
كُلّ مِنا يبنى صورة ذهنية عن مكان ما أو زمان ما أو حدث أو شخص بأساليب متعددة, منها المعايشة المكانية الزمانية أو قراءة وبحث متعمقين أو بالقراءة العشوائية ومطالعة المجلات والصحف أو بالثقافة السماعية, وبالطبع كل صورة ذهنية ستبنيها ستكون متأثرة بالأسلوب الذى ستستخدمه فى بناءها, وعليه سوف تحصل على صورة ذهنية ما, سواء كانت سطحية أو عميقة, ومثال على ذلك :
“لو قام أحدهم بتصوير قصور وفيلات القطامية ومارينا والشيخ زايد ومدن ومنتجعات الطبقة الراقية معيشياً فى مصر, ثم تم نشر تلك الصور بعد 60 سنة مِن الأن تحت عنوان “هذه هى مصر الجميلة , وهذه هى حياة المصريين العظيمة فى عصر مُبارك” , فكيف سيكون شعورك وقتها؟! سوف أترك لك الإجابة أيضاً.
بالضبط هذا ما حدث ويحدث يومياً مِن حالة مِن التزييف والتعمية لحقبة مرت على مصر, وبما أننا لا نهتم بالثقافة بإعتبارنا أمة إقرأ التى لا تقرأ فسنظل دائماً عرضة لصورة يصدرها لنا فلان أو مقطع فيديو ينشره لنا آخر عن الحقبة الملكية, وكيف أنها كانت عظيمة, وأن مصر أثناءها كانت تحكم العالم وأن الجنيه المصرى كان = جنيه ذهب وأن كذا وكذا وكذا, والحقيقة غير ذلك على الإطلاق, مع العِلم أن الجنيه الذهب كان يساوى أيضاً 4 دولارات, واليوم يساوى 263,81 دولار, فلماذا لم يقول الأمريكان أن عهد ويلسون او عهد أيزينهاور كان أفضل؟!
# على المستوى السياسى:
————————
(1) مصر مملكة لا يملكها إبناءها ولا حتى حفيد مؤسسها العظيم “مُحمد على”.
(2) مصر دولة مُحتلة مِن قِبل الإنجليز مُنذ 1882م.
3)) مصر يحكمها ملك لا يستطيع إتخاذ إجراء مؤثر بدون الرجوع إلى المندوب السامى البريطانى.
(4) مصر تمتلك دستور مَعيب بعض الشئ ولم يُطبق, وبرلمان مُزور فى أغلب الأوقات, ولا يدخله إلا الحاشية الملكية وبشاوات القصر وأغنياء الإقطاعيين, فضلاً عن أنه لم يُكمل مدته أبداً بسبب تدخلات الملك تارة والمُحتل تارة أخرى.
5) ) مصر بها نُخب سياسية عقيمة أهملت النضال مِن أجل الإستقلال التام كما نادت ثورة 19199 بحجة التفاوض السلمى.
(6) مصر بها جماعات وتنظيمات راديكالية (تنظيمات الرفض السياسى) تنطلق مِن فهمها العقيم للدين أو للأيديولوجية كجماعة الإخوان أو تنظيم الحركة الإشتراكية.
# على المستوى الإقتصادى:
————————–
أكثر ما ينطبق على المشهد الإقتصادى مِن عناوين هو عنوان “مجتمع النصف فى المائة 0,55%”, فكانت عائدات الإقتصاد سواء كان زراعى \ صناعى \ خدمى لا تصب فى صالح المواطن, وإنما كانت تذهب إلى الأسرة المالكة والإقطاعيين والإنجليز, ولم تعرف الموازنة قبل 1952 الإنفاق للصالح العام وإنما الإنفاق لصالح طبقة الـ 0,5%.
1) ) كان الإقتصاد المصرى إقتصاد أفراد بإمتياز وليس إقتصاد دولة وقطاع خاص.
2) ) كانت الأراضى الزراعية مِلك الملك والحاشية والبشاوات وبعض صِغار المُلاك, وتقسيم الملكية كان كالآتى:
المعدمين فى مصر كانت نسبتهم 76%
ومَن يملكون كانت نسبتهم 244% مقسمين علي أربعة شرائح:
– الأولى شريحة الملك والحاشية والإقطاعيين ونسبتهم (نصف 0,55% من ساكنى مصر) ونسبة ملكيتهم كل الأراضى الزراعية ما عدا النسب الأتية.
– الثانية شريحة وسط, وكانت نسبتهم أقل مِن النصف فى % بمتوسط حيازة 12 فدان للفرد
– الثالثة شريحة صغار المُلاك ونسبتهم (6% من الشعب) بمتوسط ملكية 5 أفدنة للفرد.
– الرابعة شريحة صغار صغار المُلاك ونسبتهم (17% من الشعب) بمتوسط ملكية 2, 1 قيراط للفرد.
{76%} معدمين + نصف + نصف آخر + 6% + 17% = 1000%
(3) كان الفلاح المصري يعمل ليس كأجير وإنما كعبد مُسخر هو وزوجته وأولاده فى أبعدية الباشا نظير أجر بسيط جداً, وليست غريبة على مسامعنا جملة (عزبة جدى الباشا & جدى عنده 6 آلاف فدان فى الفيوم
هذا بالنسبة للقطاع الزراعى … أما بالنسبة لقطاع الصناعة فلم يختلف حال الصانع عن الزارع إلا قليلا.
كان الإقتصاد المصرى مربوطاً بالإقتصاد الرأسمالى العالمى, وكانت أدوات الإنتاج كلها مِلك الأغنياء سواء كانوا مِن البشاوات أو مِن الجاليات الأجنبية أو اليهود, ويكفينا هنا أن نُبين وضع الفلاح والعامل مِن الأرقام التالية:
– أجر الفلاح يتراوح ما بين قرشين إلى 3 قروش يومياً.
– أجـر العـامـل الحرفي يتراوح ما بين 6-8 قروش، وبلغ أجر الطفل 5 قروش في الأسبوع.
– الأجر اليومي للعامل غير الفني كان يتـــراوح ما بيــن 7-12 قرشـًـــا.
– أجر العامل الفني كان يتراوح ما بين 20-30 قرشـًــا.
– أسرة مكونة مِن زوج وزوجة و4 أبناء يكفيهم للمعيشة فى الشهر 4399 قرشـًـا فى حين كان العامل يحصل فى المتوسط على 262 قرشـًــا, أما الفلاح فكان يحصل فى المتوسط على 75 قرش شهريــــا.
# على المستوى الإجتماعى:
————————-
إذا أردنا أن نُلخص الجانب الإجتماعى للمصريين فى عنوانين سوف يكونا “مشروع مكافحة الحفاء & أصحاب الجلاليب الزرقاء”, ولما لا؟… فالمصريين كانوا حفاة الأقدام فى تلك الفترة ما يدل على مدى إهمال الدولة لهم, هذا فضلاً عن التجاهل التام للرعاية الصحية والتعيليمة, فكانت نسبة الفقر 80% ونسبة مرضى البلهارسيا 45% ونسبة الأمية 90%, الأمر الذى جعل نواب البرلمان حينها يقولون : يجب ألا يتعلم إبن الفلاح حتى لا تتأثر الزراعة بنقص العمالة وحتى لا يأتى اليوم الذى يطالب فيه بحقوقه كمواطن.
# على المستوى العسكرى:
————————-
أما بالنسبة لهذا الجانب فيكفينا أن نعقد مقارنة بسيطة بين الجيش والحرب أيام محمد على وأيام ما بعد ثورة عرابى وإلى 1952م:
## – محمد على إستعان بالكولونيل سيف “سليمان باشا الفرنساوى” فى بناء جيش برى وصل تعداده فى وقت مِن الأوقات إلى نصف مليون مقاتل, وإستعان بالفرنسى مسيو”دى سريزى” فى بناء قوات بحرية صُنفت فى ثلاثينات وأربعينات القرن الـ19 بأنها القوة البحرية رقم 2 على مستوى العالم.
– لكى يحدوا مِن نفوذ محمد على وقوة الجيش المصرى إضطرت 6 إمبراطوريات للوقوف ضده.
## – كان أحد أهم مطالب عرابى 1882م هو زيادة عدد الجيش إلى 188 ألف مقاتل بعد أن كان نصف مليون.
– عصابات الصهاينة فى 1948م هزمتنا مع 44 جيوش أخرى.
وهنا جاء دورك عزيزى القارئ, ووجب عليك الإجابة بعناية على هذا السؤال:
هل المصرى فى ظل الملكية كان حاله أفضل؟؟
تحــيا مصــر .. تحــيا مصــر .. تحــيا مصــر
المراجع:
1- الحركة الوطنية المصري 1918-1952- رؤوف عباس حامد.
2- كتاب الجيش المصرى البرى والبحرى – عمر طوسون صـ 62 إلى صـ 108.
BY: AZIZA MADBOULY